وضع داكن
22-02-2025
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 21 - عمّار المساجد
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، حياكم الله مستمعينا الكرام عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة أهلاً وسهلاً في هذا اللقاء الجديد من برنامج " ربيع القلوب " .
 لكم بداية التحية من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، من الهندسة الإذاعية معتصم السلامة ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
 مستمعينا الكرام نتوقف في هذه الحلقة عند آية من كتاب الله عز وجل من سورة التوبة في قوله تعالى :

﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ(18) ﴾

[ سورة التوبة]

 روي أن جماعة من رؤساء قريش أُسروا يوم بدر فيهم العباس بن عبد المطلب ، فأقبل عليهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيروهم بالشرك ، وجعل علي بن أبي طالب يوبخ العباس بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقطيعة الرحم ، فقال العباس : تذكرون مساوئنا ، وتكتمون محاسننا ، فقالوا : وهل لكم محاسن ؟ فقالوا : نعم إنا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحجيج ، ونفك العاني فنزلت :

﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ(17)﴾

[ سورة التوبة]

 ثم أخبر تعالى أن عمارة المساجد إنما تحصل من المؤمنين بالله ، المطيعين له ، المصدقين باليوم الآخر ، الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويخشون الله حق خشيته ، فهؤلاء المتقون لله جديرون بعمارة بيوت الله ، وهم أهل لأن يكونوا من المهتدين الفائزين بسعادة الدارين ، المستحقين لرضوان الله تعالى .
 نرحب بداية بضيف البرنامج الدائم الداعية الإسلامي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله فضيلة الدكتور ، وأهلاً وسهلاً بكم من جديد .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛

﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾

 والآية التي قبلها :

﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾

 ما وجه مناسبة هذه الآية للآية التي قبلها

﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾

؟

عمارة المسجد تكون بعبادة الله فيه :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 الحقيقة الدقيقة أنه لما ذكر الله تعالى المشركين ، وأنهم ليسوا أهلاً لعمارة المساجد ، بيّن أن من يعمروا مساجد الله هم المؤمنون ، الموحدون .
 لذلك قال مكي من يوم أسرى بدر : إن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي الحجاج ، ونفك العاني ؛ أي الأسير ، فأنزل الله :

﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾

 لذلك عمارة المسجد تكون بعبادة الله فيه .
 والإنسان حينما يأتي إلى بيت من بيوت الله ، هذه شهادة له بأنه مؤمن ، بما في الحديث :

(( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتم الرجل يَعتَادُ المسجِدَ ، فاشْهَدُوا لَهُ بالإيمان ))

[أخرجه الترمذي]

 قال تعالى :

﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾

النبي الكريم معصوم من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره وصفاته :

 لكن يوجد ملمح دقيق جداً ، ومؤثر : بعد حين في معركة معينة أعطى النبي توجيهاً لأصحابه فقال : لا تقتلوا عمي العباس ، الحقيقة أمر بلا تعليل ، بلا تفصيل ، بلا ربط ، فقال بعض الصحابة ، أو قال أحدهم : أحدنا يقتل أباه وأخاه وينهانا عن قتل عمه ؟! اختل توازنه ، النبي معصوم من أن يخطئ في أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، وصفاته ، الأمر موجز ، محدد ، لا يوجد تفصيلات ، لا يوجد تعديلات ، لا يوجد أي شيء آخر ، لا تقتلوا عمي العباس ، صحابي ، أي صاحبي ، ونحن نؤمن أن النبي الكريم وحده معصوم ، قال : أحدنا يقتل أباه وأخاه وينهانا عن قتل عمه ؟! اختل توازنه ، ثم اكتشف بعد حين أن عمه العباس في مكة قد أسلم ، وبقي في مكة عينه على قريش ، أي إدارة ذكية جداً ، عنده معلومات دقيقة من قلب العدو ، إذا قال : عمي أسلم، أنهى دوره ، وإذا سكت قد يُقتل ، لا يمكن أن يقول النبي إلا هذه الكلمة ، لا تقتلوا عمي العباس ، والحقيقة بعد أن كُشفت الحقيقة ، يقول أحد الصحابة : ظللت أستغفر الله عشر سنين رجاء أن يغفر الله سوء ظني برسول الله .
 النبي الكريم معصوم من أن يخطئ في أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، وفي صفاته ، لأنه قدوة ، لأن الله عز وجل أمرنا أن نأخذ عنه كل شيء .

﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(7)﴾

[ سورة الحشر]

 لذلك حسن الظن بالله ، وبالأنبياء جميعاً ، وبالرسل ، وبسيد الأنبياء والمرسلين من الدين ، وحسن الظن بالله ثمن الجنة .
 أردت من هذه القصة المؤثرة الإنسان لا يتسرع ، لعل هناك فكرة لم تطلع عليها ، لعل هناك ملابسة ما فهمتها ، دائماً لا تقل كلاماً قطعياً ، أتصور ، أنا أتصور ، أعتقد ، يبدو لي ، انظر إلى كلمة يبدو لي ، أعتقد ، أتصور ، هكذا أظن ، كلام فيه تحفظ ، ولا تعمم ، لا تقل : كل الفئات الفلانية كذا ، بعضهم ، جلهم ، في الأعم الأغلب ، هذا الكلام فيه تحفظ ، فيه علم .

الموضوعية قيمة علمية وأخلاقية :

 لذلك أنا أقول كلمة دقيقة جداً : الموضوعية قيمة علمية ، وقيمة أخلاقية ، أنت إذا كنت موضوعياً فأنت على جانب من العلم ، وإذا كنت موضوعياً فعلى جانب من الأخلاق ، أي تلتقي القيم الأخلاقية مع القيم العلمية في الموضوعية ، الموضوعية لا زيادة ولا نقصان .
 مثلاً الله عز وجل لم يعمم ، قال تعالى :

﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(199) ﴾

[ سورة آل عمران]

 ما قال : إن أهل الكتاب .
 كنا مرة في جامعة ، حصلت فيها درجة علمية عالية ، طالب يلخص موضوع الدكتوراه فذكر جملة ، المشرف العام فرنسي ، قال له : قف ، هذا تعميم ، والتعميم من العمى .
 فلا تعمم ، الله قال :

﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

 ما قال : إن أهل الكتاب ، فالتعميم يتناقض مع الموضوعية ، يتناقض مع العلم الدقيق .
المذيع :
 شيخنا ؛ الآية الثانية :

﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ ﴾

 ما المراد هنا بعمارة المساجد في الآية الكريمة ؟ وما هي المساجد ؟

المساجد منارات للإسلام :

الدكتور محمد راتب :
 الصلاة فيها ، واستماع الخطبة فيها ، واستماع درس علم فيها ، أنا أتصور أن المكان الأساسي للدعوة إلى الله في الإسلام المساجد ، أما الصلاة فقد تكون في البيت ، والصلاة في المسجد أفضل ، أما الدور الأساسي فالمساجد منارات للإسلام ، المساجد فيها خطب ، نحن بدأنا أن الخطبة عمل عبادي ، تعليمي ، توعوي ، وهذه ليست قضية سهلة ، أنا أقول : إن هذا الخطيب إذا أعدّ خطبة عميقة جداً ، مؤكدة بأدلة صحيحة ، نصية ، عقلية ، اجتماعية ، ونفسية ، شدّ الناس إلى الدين ، والحقيقة الدقيقة :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(33) ﴾

[ سورة فصلت]

 أي ليس على وجه الأرض على الإطلاق إنسان أفضل عند الله ممن دعا إلى الله ، والكلام دقيق جداً

﴿ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾

 لا يكفي

﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

 جاءت حركته في حياته الخاصة ، في بيته ، في عمله ، في كسب ماله ، في إنفاق ماله ، في علاقته بزوجته ، بأولاده ، بأمه وأبيه ، بجيرانه ، بالأقوياء ، بالضعفاء ، بالشأن العام ، جاءت حركته مطابقة للشرع

﴿ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

 ما خلق أزمة بين المسلمين .
 الحقيقة الإنسان قد يخيب ظنه بطبيب أحياناً ، أو بمهندس ، أو بمحام ، أما إذا خاب ظنه بعالم داعية ، لأنه مظنة صلاح ، مظنة علم ، مظنة موضوعية ، مظنة جرأة ، فإذا شك في دعوة عالم اختل توازنه ، وهناك تراجع في الدين حينما يخطئ الدعاة

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

 لا يكفي .
 الثالثة دقيقة جداً :

﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

 ما ادعى أنه العالم الأوحد ، فإذا ظن أنه العالم الأوحد إذاً معه مرض التوحد ، وهذا مرض شديد جداً .

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

 لذلك الدعوة إلى الله فرض عين ، دقق فرض عين على كل مسلم ، كيف ؟ هذا لا يحمل دكتوراه ، أريد أن أقول كلمة دقيقة : أنت أيها الأخ المسلم سمعت خطبة تأثرت بها ، اذكر بعضها لزوجتك ، اذكر بعضها لأولادك ، إلى جيرانك ، إلى شركائك في العمل ، إلى أصدقائك ، عندما نقلت حقيقة دقيقة ، مؤثرة ، عميقة إلى من حولك أنت دعوت إلى الله ، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم ، والدليل :

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(108)﴾

[ سورة يوسف]

 فأي إنسان ليس داعية في هذا المستوى ، ليس إنسان متبعاً لهذا المستوى ، ليس متبعاً لرسول الله ، أي سمعت تفسير آية فقط في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

 لكن هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ، ومع من يعرف ، أما هناك دعوة احترافية ، هذه فرض كفاية ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، تحتاج إلى تعمق ، إلى تبحر ، إلى تثبت ، إلى تطبيق ، قال تعالى :

﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104)﴾

[ سورة آل عمران]

 هذه الدعوة فرض كفاية ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل ، تحتاج إلى تعمق ، وتبحر ، وتثبت ، وتفرغ ، نحن بين دعوتين ، فرض عين على كل مسلم ، وفرض كفاية .
المذيع :
 شيخنا ؛ هنا المقصود بالمساجد مساجد الله ، هل المقصود بها المساجد عامة أم ما كان موافقاً لسبب النزول أي المسجد الحرام ؟

العبرة ليست في سبب النزول بل في عموم اللفظ :

الدكتور محمد راتب :
 حقيقة : عندنا قاعدة فقهية ، المطلق على إطلاقه ما لم يرد ما يخصصه .
المذيع :
 سبب النزول شيخنا ؟
الدكتور محمد راتب :
 لا ، يوجد نقطة دقيقة جداً : العبرة ليست في سبب النزول ، في عموم اللفظ ، عندنا أسباب النزول ، وعموم اللفظ ، إذا قيدنا كل آية بسبب النزول انتهى القرآن ، سبب النزول لا يلغي عموم القصد ، أنا أضرب مثلاً دقيقاً جداً : الله عز وجل قال :

﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً(2) ﴾

[ سورة الطلاق]

 هذه الآية سبب نزولها في الطلاق فقط ، أما أنت لو أخذت هذه الآية من سياقها وفهمتها فهماً عميقاً ، من يتق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً في إتلافه ، من يتق الله في اختيار حرفته ، أن تكون نافعة للأمة ، يجعل الله له مخرجاً من مشكلة كبيرة في حياته ، هذه الآية فقط يحكى عليها ساعات طويلة ، فأنت الآية بالقرآن ، بسياقها لها معنى دقيق ، أما إذا نُزعت من سياقها فلها معنى واسع جداً ، والقرآن حمّال أوجه .
المذيع :
 شيخنا ؛ بعض المفسرين قالوا : إن المقصود مطلق المساجد ، وأراد به المسجد الحرام على رأي بعض المفسرين ، ولكن هنا السؤال لماذا استخدم مساجد وليس مسجداً هل هو من باب التعظيم مثلاً للمسجد الحرام ؟ يمكن أن يفهم ذلك ؟

المساجد بيوت الله في أي مكان كانت :

الدكتور محمد راتب :
 الحقيقة كلمة مساجد ، المطلوب بها كل المساجد ، ليس فقط بيت واحد ، هذه أيضاً إشارة دقيقة جداً ، هذا بيت الله ، لو كان بيت الله جاء مثلاً بأستراليا ، بعد ألف سنة بيت الله يبقى بأي مكان ، الحقيقة أن تخصص الآية بالمسجد الحرام فيه تضييق لهذا المفهوم الدقيق .
المذيع :
 شيخنا ؛ علامة عمارة المسجد المقبولة عند الله سبحانه وتعالى هل هي من خلال تفسير الآيات ؟

علامة عمارة المسجد المقبولة عند الله سبحانه وتعالى :

الدكتور محمد راتب :
 أن ترتاد المساجد ، علامة إيمانك أن تصلي في المساجد ، وعلامة إيمانك أن تطلب العلم في المساجد ، وعلامة إيمانك أن قلبك معلق في المساجد ، هذا بيت الله عز وجل ، وأن النبي الكريم يقول :

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه : الإمامُ العادلُ ، وشابّ نشأ في عبادة الله عز وجل ورجل قلبه مُعَلَّق بالمسجد ، إذا خرج منه حتى يعودَ إليه ، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه ، ورجل دَعَتْهُ امرأة ذاتُ مَنْصِب وجمال ، فقال : إني أخافُ الله ورجل تَصدَّق بصدقة فأخْفاها حتى لا تعلم شمالُهُ ما تُنْفِقُ يمينه ، ورجل ذَكَرَ الله خاليا ففاضت عيناه ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 بيت الله ، هناك إنسان معلق بدور اللهو ، بدور السينما ، بالطرقات ، أعرف شخصاً كان يمشي في الطرقات ليملأ عينه من محاسن النساء ، أصابه مرض ارتخاء الجفون ، لا يرى إلا ليمسك جفنه بيده ، فكل شيء له سبب ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، والبطولة من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة ، فمصيبته في نفسه أكبر ، صار هو المصيبة ، والبطولة إذا الشيء مزعج عليّ أن أبحث عن السبب ، يوجد سبب قريب ، وسبب بعيد ، فالبطولة أن تصل إلى السبب البعيد .
المذيع :
 شيخنا ؛ بما أننا نتحدث عن عمارة المساجد ، واليوم نحن نرى ولله الحمد المساجد انتشرت ، وموجودة في كل مكان ، حتى في طريق السفر ، في المدن ، في الريف ، لكن السؤال هنا ربما وهو موجه لعامة المستمعين أنه ما هي آداب المساجد ، سنسميها الحد الأدنى ، أو لا بد من أن تكون .

آداب المساجد :

الدكتور محمد راتب :
 لي ملاحظة دقيقة : إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها فهم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني ، وحق على المزور - وهو الله - أن يكرم الزائر .
 أي إذا إنسان صلى بالمسجد بماذا يكرمه الله ؟ بأشياء لا تعد ولا تحصى ، أحدها الحكمة ، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً ، بالحكمة تسعد بأي زوجة ، بالحكمة تُرزق التصرف الصحيح ، المال القليل يكفي بالحكمة ، والمال الكثير لا يكفي ، أنا أكاد أقول : أكبر عطاء إلهي للمؤمن هو الحكمة ، أما الملمح الدقيق بالآية :

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ(269)﴾

[ سورة الطلاق]

 فالحكمة لا تؤخذ ولكنها تؤتى ، مهما كنت ذكياً ، مهما كنت متبحراً ، إذا لم تتمتع بالاستقامة فقد ترتكب حماقة تدمر بها نفسك ، الحكمة أكبر عطاء إلهي ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، بالحكمة تسعد بأي زوجة ، بالحكمة تسعد بالمال المحدود ، من دون حكمة تتلف المال الكثير .
المذيع :
 شيخنا ؛ برأيكم المساجد اليوم من وحي رسالتكم الدعوية ، وسفراتكم ، ورحلاتكم الدعوية، ما الذي تحتاجه فعلاً من إحياء لدورها في المجتمع ؟

كيفية إحياء دور المساجد في المجتمع :

الدكتور محمد راتب :
 والله يا أخي الكريم ؛ المساجد الآن في أعلى مستوى مادي ، مساحات ، زخارف ، تبريد ، تكييف ، تدفئة ، سجاد على حجم الجامع ، في بعض المساجد السجادة مصنوعة بحجم المسجد بأكمله ، شيء لا يصدق ! بالمغرب ، بالشرق الأوسط ، مساجد تفوق حدّ الخيال ، إلى أن اجتهادي المتواضع أن المسجد يحتاج إلى دعاة كبار ، إلى دعاة يجمعون بين الثقافة المعاصرة وبين أصول الدين ، دعاة ينقلون الناس من الضياع إلى الوجدان ، من التفلت إلى الانضباط .
 لو كان هناك أزمة كبيرة ، بلد محتل ، وجاء عالم في المسجد تحدث في موضوعات فقهية عادية كالحيض والنفاس ، قال عنه الإمام الشافعي : لقد خان الله ورسوله ، إذاً ينبغي أن تعالج الموضوع الساخن ، الأزمة الكبيرة في البلد ، فالإنسان إذا ما تفاعل مع الموضوعات الساخنة، مع الأزمات الصعبة ليس داعية ، هناك بلد يعاني أزمة كبيرة جداً ، وجاء خطيب في المسجد حدث الناس بموضوعات فقهية مألوفة عادية جداً فقد خان الله ورسوله .
 عالم كبير في مصر ، أبقى الناس بأحكام المياه ستة أشهر ، هناك فرنسي ، أسلم على يد عالم أزهري ، مع احترامي الشديد للأزهر ، الأزهر مؤسسة كبيرة جداً ، واحد منها أبقى هذا المسلم الحديث في أحكام المياه ستة أشهر ، حتى ترك الإسلام ، وممكن بالكتب القديمة شيء يحكى بسنة - لم يتوضأ بعد – عن أحكام المياه ، فأحد الأئمة الكبار أعطى توجيهاً جديداً ، قال له: الماء الذي تشرب منه توضأ منه ، انتهى ، ضغط ستة أشهر بكلمة واحدة ، أنا اجتهادي المتواضع الآن هذا الدين متى ينجح ؟ إذا بسطناه ، وعقلناه وطبقناه ، تبسيط ، وعقلنة ، وتطبيق ، الآن يقولون : الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي الكريم قرآن يمشي ، أنا تعليقي : ما لم يرَ المسلمون اليوم إسلاماً يمشي أمامهم إن تكلم فهو صادق ، إن عاملته فهم أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، ما لم نرَ إسلاماً يمشي أمامنا لا نقنع بهذا الدين ، القرآن كون ناطق ، والكون قرآن صامت ، والنبي قرآن يمشي ، إذا عاملك هناك استقامة ، ووداعة ، ورحمة ، وتأن ، ولطف ، إذا رأينا إنساناً كاملاً يشدنا للدين ، وإنساناً آخر له ظواهر دينية خطيرة لكن يفعل شيئاً يخالف الدين ، لذلك ماذا فعل الأعداء مع المسلمين ؟ جاؤوا بمدعي العلم وأساؤوا إساءة بالغة جداً، والحقيقة هي مؤامرة غربية لإحباط الناس بالدين .
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ؛ عمارة المساجد ودورها مهم كما أشرت ، ماذا عن استقطاب ربما الجيل الناشئ ، جيل الشباب ، الأطفال ، المساجد ؟ وما هي برأيك أفضل طريقة ؟

دور المساجد في استقطاب جيل الشباب :

الدكتور محمد راتب :
 أنا جوابي سيدي : الشباب أمل الأمة ، الشباب مستقبل الأمة ، الشباب قوة الأمة ، الشباب المحرك بالسيارة ، عندهم قوة اندفاع مذهلة ، لكن يحتاجون إلى مقود بيد المربين ، والعلماء الربانيين ، ويحتاجون ثالثاً إلى منهج الله ، إلى الشرع ، فالطريق المعبد هو الشرع ، والشباب هم المحرك ، والشيوخ الربانيون هم المقود ، فهذه الأمة تنهض ، وتقوى بقوة شبابها ، وبتوجيه شيوخها الربانيين ، على منهج الله الحقيقي ، أما الطرق الأخرى فهي طرق وعرة تحطم السيارة ، وتقتل الركاب .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛ الآيات ختمت بقوله تعالى :

﴿ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾

 أي ختام هذه الآية بهذه الكلمات ، فعسى ، كيف نفهم هذه الختام ؟

الدعوة إلى احتواء الطرف الآخر :

الدكتور محمد راتب :
 قالوا : هنا عسى لها معنى آخر ؛ أي أنت عندما تحتوي الآخر ، تكون معه لطيفاً ، واقعياً ، معك دعوة منطقية ، معللة ، مؤيدة بالعلم ، الدعوة هذه تحتويه ، فهذا الذي أنت يئست من هدايته بالأعم الأغلب يهتدي ، والحقيقة في التاريخ أشياء كثيرة ، هناك أباطرة أسلموا ، تتر بعضهم أسلم ، وصار يدافع عن المسلمين ، فأنت لا تيئس ، اليأس ، والقنوط ، والتشاؤم ، والسوداوية يقربون الإنسان من الكفر .
المذيع :
 أيضاً شيخنا اسم الإشارة هنا استخدم

﴿ أُولَئِكَ ﴾

 وهي ربما تدل على البعيد ، صحيح شيخنا ؟

إكرام الآخرين يقربهم من الدين :

الدكتور محمد راتب :
 الحقيقة ، تقول : أنا ، ذاك ، اسم الإشارة في لام البعد ، وكاف الخطاب ، إذا قلنا : ذاك شيء ، وذلك شيء ، فإذا جاء اسم إشارة للبعيد ، هناك ملمح لطيف أنك أنت بعيد عن هذا المنهج ،

﴿ أُولَئِكَ﴾

المذيع :

﴿ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾

الدكتور محمد راتب :

﴿ فَعَسَى ﴾

 هم الآن بعاد ، إذا أنت أكرمتهم بمعاملة طيبة ، برحمة ، بإنصاف ، عفواً؛ شخص يأتي لقتال النبي ، صهره ، عندما استعرض النبي الأسرى قال كلمة - كان هذا الصهر زوجاً صالحاً ، أبو الربيع - قال : والله ما ذممناه صهراً ، هذه الكلمة الموضوعية المنصفة جعلته يسلم ، والله ما ذممناه صهراً .
المذيع :
 نختم أيضاً في سؤال عن قوله تعالى :

﴿ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾

 أي بعد ذكر الإيمان ، واليوم الآخر ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة .

أيّ أمر بيد الله عز وجل :

الدكتور محمد راتب :
 الحقيقة لو أسلمنا الله إلى غيره لا يستحق أن نعبده ، كلمة دقيقة جداً :

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123) ﴾

[ سورة هود]

 أي أمر بالقارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة بيد الله عز وجل ، ولو أسلمنا إلى غيره لا يستحق أن نعبده ، والدليل :

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

 أي ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 نشرك جزيل الشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أحسن الله إليكم .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور